دراسات أدبية
المذاهب الأدبية في شعر الجنوب
كتاب " المذاهب الأدبية في الشعر
الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية " لمؤلفه الدكتور " علي علي
مصطفى صبح " قيمة فنية وأدبية لأدب جنوب المملكة ، لأن الجنوب غني بتراثه
العريق ونتاجه المعاصر الطريف .
وها نحن نرى الدراسات المختلفة تتجه نحوه ، ومن
هذه الدراسات الرسالة العلمية التي وضعها " عبد الله محمد حسين أبو داهش
" للحصول على درجة الماجستير في الآداب من كلية الآداب جامعة الملك سعود
ونشرت بعنوان " الحياة الفكرية والأدبية في جنوبي البلاد السعودية "
وهناك دراسات أخرى كثيرة ولا يزال حقل الجنوب بكرا ..
وكتاب " المذاهب الأدبية في الشعر
الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية " دراسة جديدة وتصنيف للمدارس الشعرية
" التقليدية " و " المحافظة " و " التجديدية المحافظة
" .. وشملت أكثر الشعراء ، بل أشهر شعراء منطقة جازان وعسير والقنفذة ..
وسنقف مع هذا الكتاب في ضوء موضوعاته التي تعنى المهتمين بالشعر والنقد الأدبي ..
منذ أن اعلنت مطبوعات تهامة عن صدور كتاب
" المذاهب الادبية في شعر الجنوب " ونحن نحرص على اقتنائه ، بحكم
عنايتنا بالأدب السعودي ، ولأن الكتاب يجذب بعنوانه الذي يوحي بموضوعه ومنهجه ،
وبمؤلفه المتخصص في مجاله ، فهو أستاذ في الأدب والنقد وعضو بارز في هيئة التدريس
بكلية التربية في أبها ، وأستاذ في كلية اللغة العربية وعضو في رابطة الأدب الحديث
بالقاهرة ، وفي النادي الأدبي بابها في المملكة العربية السعودية ، وله مؤلفات
متعددة في مجال النقد والأدب ..
ونعود إلى موضوعات الكتاب كما يحدده مؤلفه
في إطار دقيق ينأى عن التأريخ للحركة الأدبية أو حتى عن تاريخ الشعر في المملكة في
العصر الحديث ، ولكنه عن جزئية واحدة فقط من اتجاهات شعر الجنوب " في المذاهب
الأدبية الحديثة في شعر الجنوب ، ومدارسها التي تنتمي إليها " صـ 10 " .
ويحدد المؤلف الدكتور على صبح الجنوب بأنه
" منطقة واسعة تصل مساحتها إلى ربع المملكة العربية السعودية ، يقطنها سكان
كثيرون في عشرة آلاف قرية تقريبا وعاصمتها أبها " " صـ 18 "
وفي مقدمة الكتاب يقسم المؤلف المدارس
الأدبية في شعر الجنوب إلى " مدرسة " التقليد المتحجر " ومدرسة
" المحافظين الحرفيين " ومدرسة " التجديد المحافظ " ومدرسة
" التحرر في التجديد " ولكل مدرسة اتجاهاتها وأسسها وخصائصها الفنية
وشعراؤها ، وأغراضها وأسلوبها وتصويرها الأدبي في ميزانها النقدي " " صـ
12 " .. وهذا التقسيم والتصنيف حرى بالنظر والتأمل !!
وخطة البحث هي : الإهداء ـ والمقدمة ـ
والتمهيد الذي يوضح العوامل التي أثرت في المذاهب الأدبية ـ وصلب البحث الذي يضم
ثلاثة أبواب تشتمل على اثنى عشر فصلا وفي تقسيم الأبواب إلى مدارس أدبية تعارض مع
التقسيم الذي جاء في مقدمة الكتاب ، والباب الأول لمدرسة المحافظين ، اختص الفصل
الأول بالشعراء التقليديين المجردين من الموهبة الشعرية ، كابن سحمان وابنه صالح ،
وعلى السنوسي ، وحافظ الحكمي .
ولا نظن أن النقاد يوافقون على ذلك الحكم
وخاصة لابن سحمان وعلى السنوسي ..
والفصل الثاني من الباب الأول للشعراء المحافظين
كالصبان ، ومعيض البختيان ، وآل الخفطي ، وأما الفصل الثالث من الباب فقد خص به
المؤلف شعر آل الحفظي وقومه في ضوء التصوير الشعري وأغراضه
الأدبية ، وما فيه من موهبة وعاطفة وحب وإخلاص وغير ذلك ، في الوقت الذي حرم غيرهم
من تلك الصفات ، وفي الباب الثاني تكلم عن مدرسة التجديد المحافظ على عمود الشعر
وخصائصه الفنية ، وشعراء المدرسة هذه هم : محمد على السنوسي ومحمد بن أحمد العقيلي
، وزاهر الألمعي ، ويحيى الألمعي ، وعلى القرني ، وعلى مهدي ، وجبران محمد قحل ،
وأحمد بابقى ، وعلى أحمد صقيل ، وإبراهيم عمر صعابي ، وأبو بكر عمر سالم ، وعلى
أحمد على النعمي ، وحجاب يحيى الحازمي ، وإبراهيم مفتاح . والباب الثالث لمدرسة
التحرر في التجديد وعوامل تكوينها وخصائصها الفنية في التجديد ، وقصرها على شاعرين
هما أحمد العسيري ، وأحمد بهكلي ..
ومن الجوانب المشرقة في الكتاب تحديد
العوامل التي أثرت في المذاهب الأدبية في شعر الجنوب ، ومنها " جمال الموقع ،
وسحر الطبيعة ، وكرم السماء ، وتعانق السحب ، وفراهة الجبال ، ويقاعة الآكام ،
وعمق الأودية ، ورحابة السهول ، وتدفق السيول .. مع ما يتمتع به أهل الجنوب من
برود الطبع ، ودماثه الخلق ، وسعة الأفق ، وحدة الذكاء " " صـ 18 "
ومن العوامل أيضا البيئة الثقافية والتقدم
العلمي والفكري ، والتجاوب مع المشكلات العصرية ، كالمشكلات الاجتماعية والإعلامية
وغيرها .
ومما أثر في المذاهب الأدبية في شعر الجنوب
المعارك الأدبية والنقدية ، في العالم العربي حول شعر شوقي وحافظ ومعارك مدرسة
الديوان ، وأبولو ، والمهجر ، ورابطة الأدب الحديث .
كما انفعل وجدانهم بشعر الزهاوي ، والرصافي ،
والبارودي ، وإسماعيل صبري ، والجازم ، وحافظ وشوقي ، وعلى محمود طه ، وأبي شادي ،
وناجي ، ومحمود أبي الوفا ، وشكري ، والعقاد ، والمازني ، والرافعي ، واليازجي ،
والأخطل الصغير ، وعمر أبي ريشة ، وبدوي الجبل ، وفؤاد الخطيب ، ونعيمة ، وجبران ،
وأبي ماضي وغيرهم " ص 72 " .
ومن الاتجاهات في شعر الجنوب ، الاتجاه
الإسلامي ، كما في قول محمد على السنوسي في قصيدة أم القرى :
نور
على البطحاء لماح الذري يهدي
القرون ضياءه والأعصرا
ومن قصيدة أخرى هي " الرسالة والرسول
" يقول :
"
محمد " خير خلق الله قاطبـة خلقا
وخلقا على السراء والنكد
نديم
" جبريل " يسقيه في الفـم "
وحيا " يرتله شاد إلى غـرد
وقول محمد بن أحمد العقيلي في " تحية
الأقطار الكبار " :
الشموس
الغر من يعرب قــد سطعت في مكة
ذات الجلال
وقول زاهر الألمعي في قصيدة " مؤتمر
الحج الأكبر " :
أرب
البيت عفوك والمتابا وألهمنا
بعزتك الصوابا
ويقول يحيى الألمعي في قصيدة " صرخة
الإسلام " :
في
أرض مكة مهد الوحي انتشرت قوم
وقام بها الاصلاح والأمم
قد
قام فيها رسول الله داعيـــة يريد
خيرا وكل الناس تلتئهـم
ومن الاتجاهات الأخرى : الدعوة إلى الجهاد ،
والوحدة الإسلامية ، والمدح وغير ذلك ، وحجم الكتاب يدل على الجهد الذي بذله مؤلفه
في حشد النصوص الشعرية التي تغطي الأغراض الفنية التي تطرق إليها الشعراء وخاصة
السنوسي والعسيري والبهكلي ، لتحديد ملامح التيارات الأدبية في شعر الجنوب ، وإبراز
القيم الجمالية ، كالتشخيص في التصوير ، الصور الخيالية ، والوحدة الفنية ،
والإيقاع الموسيقي .
ومن التجارب الشعرية التي عرضها الكتاب
ووصفها بأنها صادقة ومحمومة من مرارة الحياة .. يقول العسيري في واقعه الأليم
ومركبه التائه " ص 303 " :
شربت
الحياة بأكوابها فما ذقت
فيها سوى دمعتي
وغنيت
فيها بقيثارتي فذابت على
نغمتي مهجدتي .. ألخ
وللمؤلف مآخذ على بعض الشعراء ، مثل لحن
الشاعر أحمد العسيري في إعراب كلمة عشرين ، التي وردت في قصيدة " العاصفة
" وذلك في قوله :
للقدس
الحزين
عشرون
عام
ومما يلاحظ المطالع للكتاب الخبير بالحركة
الأدبية في جنوب المملكة ، أنه اهتم ببعض الشعراء وخصهم بنصيب أوفر ، استحوذ على
أكثر صفحاته . وعرض لبعضهم في لمحات ، بل ومضات خاطفة ، وأهمل ذكر كثيرين ممن لهم
دوى في الأوساط الأدبية على مستوى المملكة ، وربما كان لهم اتجاه ونهج في شعر
الجنوب .
فالشعراء الذين أفاض الكتاب في عرض نتاجهم
وهم يستحقون ذلك ـ محمد على السنوسي ، وأحمد العسيري ، وأحمد البهكلي ، بينما عرض
في عجالة لأمثال جبران قحل ، أحمد بابقي ، وعلى احمد صقيل ، وأبكر عمر سالم وغيرهم
.. ولم يتعرض لذكر عدد من الشعراء أو لمذهبهم الأدبي وخاصة في منطقة جازان ، وعلى
سبيل المثال لا الحصر الشاعر على حسين الفيفي ، صاحب دواوين " أزهار " و
" أصداء الذكريات " و " رحلة العمر " واكتفى المؤلف بقوله
" وهناك في ساحة الجنوب شعراء آخرون كثيرون ، لنا عود معهم إن شاء الله تعالى
، يوم أن يكون لكل منهم ديوان شعر يتردد صداه في أسماع الزمان : " صـ 274
" .
كما نلاحظ في الكتاب أخطاء لا تقع على
المؤلف وإنما هي في المصادر التي استقى منها ، ولا يصح أن يوجه الغضب واللوم لشخص
ما ، ففي صفحة " 273 " ذكرت بعض أسماء الشعراء غير صحيحة أو مختلفة مثل
: أحمد باهي وصحته " أحمد بابقي " ، وغيرهما .
ومما يلاحظ أن الكتاب عرض خطة للبحث تسير
عليه وأولها " الإهداء " ولكنني لم أجد له أثرا ، وربما يكون سقط من
نسختي ، أو قصد تركه حتى يكون الكتاب كله هدية ثمينة لكل عشاق الشعر والدراسات
الأدبية وأهل الجنوب خاصة .
نعم : ان الكتاب قيمة فنية وأدبية ، ويعد من
مصادر الشعر في جنوب المملكة ، الذي هو في حاجة إلى دراسات واسعة ومتعددة لهذا
الأدب المتميز ، ليضاف إلى الأدب السعودي المعاصر الذي يشق طريقه بشموخ إلى خارج
المملكة العربية السعودية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق