اغتراب
اللغة العربية بين أهلها
الأسباب
- والعلاج
الحمد لله الرحمن
علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذى آتاه
الله جوامع الكلام وفنون البيان . وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام .
(وبعد) فنحسب أنه من
العلم النافع ـ إن شاء الله ـ الكلام عن اللغة العربية ،لأنها لغة القرآن التى لا
تصح بعض العبادات إلا بها كالصلاة وخطبتى الجمعة ويوم عرفات واللغة العربية رابطة
من أعظم الروابط بين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربهاتجمعهم على مائدة القرآن الكريم
، وعلى فقه العبادات والمعاملات كذلك .
1- ماهى اللغة ؟
نقف قليلا مع مفهوم
اللغة ونكتفى بأوجز التعاريف فى هذا المقام
فاللغة - عند
القدماء: - (أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم) ويقول ابن خلدون : (اللغة ملكة فى
اللسان ، وكذا الخط صناعة ملكتها فى اليد) .
ويدل ذلك على أن
اللغة من خصائص الإنسان دون الحيوان (فالإنسان حيوان ناطق) لقول الله تعالى (خلق
الإنسان علمه البيان) .
وإذاً للمخلوقات
الأخرى لغات كلغة النمل و الطير والحيوان والأسماك , وكما يقال تجوزا لغة العصر ،
ولغة الكمبيوتر وغير ذلك . فإن اللغة بصفتها التى أشرنا إليها لايقدر عليها إلا
الإنسان وحده ، لأنها اصطلاحية وتواضعية ومقرونة بالفكر فى اصدار الأصوات وتلقيها
ويحكمها العقل وينظم عملياتها فلا يجعلها ضوضاء خالية من المعنى .. وأثبتت التجارب
والدراسات بأن اللغة لايمكن تعليمها لغير البشر ([1]).
2 - نشأة اللغة :
آراء كثيرة حول نشأة
اللغة منها العقلى والنقلى ، ففى التوراة :(والله خلق من الطين جميع حيوانات
العقول ، وجميع طيور السماء ،ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها ،وليحمل كل منها
الإسم الذى يضعه له الإنسان . فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة ، ولطيور
السماء ،ودواب الحقول ) ([2])
.
واستدل علماء
الإسلام بقول الله تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها ،ثم عرضهم على الملائكة ).
وهذه النظرية أخذ
بها :أبو عثمان الجاحظ (255هـ) حيث يرى أن الله سبحانه وتعالى أنطق نبيه إسماعيل
بالعربية دون سابق تمهيد أو تعليم .. وجعل ذلك دليلا على نبوته وبرهانا على رسالته
.
ويرى بعض العلماء أن
اللغة فى قمة الأشياء المكتسبة التى حصل عليها الإنسان بكفاحه وتعلمها من خلال
المحاولات الهائلة التى استغرقت آلاف الأجيال ،ولا ينفى ذلك أن اللغة العربية أولا
وآخرا من خلق الله : ( ومن آياتيه خلق السموات والأرض ،واختلاف ألسنتكم و ألوانكم)
([3])
.
ويقول توماس هوبز :
إن أهم مايميز التجمعات البشرية عن التجمعات الدنيا ،هو وجود لغة ذات ألفاظ تمكن
الفرد من أن ينقل إلى الآخر من أفكاره وآرائه بما يرى أنه الصالح العام .. فليس
غريبا أن الإنسان وهو الحيوان الناطق ،وهو أيضا الحيوان الذى يحارب بالفكر و
العقيدة والدعاية والسلاح . ولذلك يتطلب الأمر وجوده قوة تتمثل فى الدولة أو
الحكومة التى تنظم الأطماع وتنسق الأفكار ،حتى لا تعم الفوضى ويذهب الناس فى سبل
شتى ([4])
.
ولذلك تعمل الدول _
وبخاصة الإستعمارية_ بكل جهد لنشر لغتها وثقافتها ورصد كل امكاناتها المادية
والمعنوية للوصول إلى هذه الغاية ، لأنها ترى فى ذلك ما يغنى عن الجيوش ، فاللغة
هى طلائع لتوطيد الأقدام وإقامة البنيان وتحقيق الأحلام على المدى البعيد والقريب .
ولنقف مع قول الله
تعالى : (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) وقوله تعالى :(إنا جعلناه
قرآنا عربيالعلكم تعقلون) وقوله تعالى : (ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن من كل
مثل لعلهم يتذكرون ، قرآنا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون) فالرسالة لكى تؤدى
غرضهالابد أن تكون بلسان من أرسلت إليهم وهو غير (ذى عوج) لا لبس فيه ،فهو عربى إذ
كانوا عربا يفهمون ما فيه من المواعظ . كما جاء فى الطبرى .
فهل يتأمل المسلمون
فى تعلم العلوم بغير لغتهم ؟ !
3 - من إشراقات
اللغة العربية :
لأمر ما نزل القرآن
بلغة العرب ،ولأمر ماأكد الله حفظ اللغة العربية حينما ضمن حفظ القرآن الكريم : (
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) فكل أدوات التأكيد التى حشدت فى الآية
الكريمة : ( إنا ، نحن ، نزلنا ، وإنا ، واللام فى لحافظون) يشير إلى الإعجاز
الماثل أمام المسلمين وغير المسلمين وهو بقاء اللغة العربية على الرغم من مرور
القرون العديدة فى حربها والكيد لها بكل ما استجد من مكتشفات العصور المختلفة
..وهذه بعض جوانب مشرقة من اللغة العربية معجزة اللغات :
1 - اللغة العربية
تقع فى مجموع اللغات السامية _ نسبة إلى سام بن نوح عليهما السلام _ وهى كثيرة
منها : الكنعانية و الفينيقية ، والعبرية والآرامية ،والبابلية ، والسريانية
والكلدانية و الهيروغلوفية والحبشية ... وغيرها .
وكلها بادت وماتت
وانقرضت _ بصرف النظر عن محاولات إحياء العبرية _ وبقيت العربية ينطق بها أكثر من
(190 مليونا) ويساندها ويقرأ القرآن بها أكثر من ( ربع سكان العالم) فى أنحاء
الكون ولذا قيل إنها لغة كونية .
2 -وصف (جوبيوم)
صاحب كتاب (تراث الإسلام) اللغة العربية فى مرونتها واشتقاقاتها ،باللغة العبقرية
،لأنها مستوعبة جميع المصطلحات و الحضارات القديمة ، كما تستوعب المصطلحات الجديدة
فى جميع فروع العلوم و الفنون المختلفة .
3 - يدرك المتأمل فى
اللغات الأوروبية الحديثة كثيرا من الكلمات السائدة فى حياتهم والتى هى من بنية
الزمن قد أخذت من العربية : مثل أيام الأسبوع ، فأسماؤها تطابق أسماء الكواكب
الموزعة على الأيام حسبما تواضع العرب عليه فى الأزمان الغابرة ، بنفس الترتيب
وبدون اختلاف فمن ذلك أيام الأسبوع فى الإنجليزية والفرنسية ، وقد يمتد إلى غيرها
: يوم الأحد (يوم الشمس) Sundayيوم الأثنين (يوم القمر) Monday يوم الثلاثاء (يوم المريخ) Tuesday أى يوم إله الحرب كما أن
الفرنسيين أسموا يوم الثلاثاء mardi نسبة إلى مارس وهو كوكب المريخ ...
ومن ذلك على سبيل
المثال فى علم الفلك نجد مصطلح (فم الحوت) يذكر فى الإنجليزية بلفظة العربى هكذا (fumalhaud) وفى علم الرياضيات نجد (الصفر) cipher والجبر : Algebra
وهما مصطلحان عربيان وفى علم الكيمياء نجد (القلى) Alkali إلى غير ذلك حتى فى أيامنا هذه تشيع فى لغة الصحافة الإنجليزية
مثل (ثوب) thoub و (العود) oud
و (فدائى) Fedayee وأحصى بعض الباحثين
الكلمات التى دخلت فى الإنجليزية بعشرة آلاف كلمة من أصل عربى ([5])
وفى معجم (ويستر الإنجليزى) عام 1935 م الذى راجعه فيليب حتى ضم ستمائة ألف كلمة
مأخوذة من العربية أكثرها فى الشئون الفنية ... وهكذا فى مختلف النواحى الثقافية
والعلمية والدينية .
وفى ألمانيا ظهر
معجم صغير للألفاظ الألمانية ذات الأصل العربى قام بوضعه الدكتور نبيل عثمان فى
عام 1982 أشار فيه إلى ثلاثمائة كلمة .
وفى الفارسية تصل
الكلمات العربية من خمسين إلى ثمانين فى كل مائة كلمة وفى الأندونيسية نصف محتويات
القاموس ألفاظ عربية .
وفى أسبانيا على
الرغم من التصفيات المستمرة تصل الكلمات العربية فى لغتهم إلى 17% .
4- أحصى بعض القدماء
ألفاظ اللغة العربية بما يقارب من سبعة ملايين فى حين أصول بعض اللغات الحديثة لا
يزيد عن 500 كما حدثنا بعض المحاضرين هنا ...
وأن بعض الكلمات فى
اللغات الأوربية التى مر عليها أربعمائة سنة لا تفهم إلا بصعوبة عن طريق القاموس .
(للمزيد من ذلك يرجع على المصادر والمراجع المشار إليها .. ومجلة المنهل عدد405 ) .
4- أسباب غربة اللغة
العربية :
لا نستطيع فى هذا
المقام أن نعدد أسباب اغتراب اللغة العربية بين أهلها ،فقد تجمعت أسباب خارجية
وداخلية ،وأسباب دينية وسياسية وعلمية وثقافية واجتماعية وغير ذلك مما يمكن أن
نشير إليه بإيجاز شديد :
1- فى مقدمة الأسباب
السيطرة على البلاد الإسلامية واخضاعها للفكر الغربى وقبوله فى صورة حضارة وتقدم
،وخروج من عصور الإنحطاط والتأخر ، والتخلف عن ركب المدنية ، ولا سبيل إلى ذلك إلا
بتنحية اللغة العربية التى هى مفتاح فهم القرآن الكريم وركيزة التراث الإسلامى من
توحيد وفقة وحديث وأدب إسلامى وغير ذلك :
أ - فَتَحْتَ ستار
نقل الحضارة الأوروبية - عقب خروج فرنسا من مصر - والتى ما جاءت إلى الشرق إلا بعد
دراسة وتخطيط مسبوق بدراسة المستشرقين والمبشريين للتراث الإسلامى من القرن الخامس
الهجرى ، أو بعبارة أخرى بعد الحروب الصليبية ، فمن أقوال المستشرقين يتبين مقصدهم
فى القديم و الحديث ، فأحدهم يقف أمام قبر صلاح الدين : (عدنا يا صلاح الدين) وقال
آخر :(الآن انتهت الحروب الصليبية) وفى أهم أهداف إسرائيل ما يعبر عنه بن جريون
:(إن ضمان إسرائيل فى البقاء هو اختلاف العرب) .
ومن هنا وضعت مراكز
متقدمة بالقرب من الخلافة العثمانية التى تمثل الجامعة الإسلامية ، وكانت هذه
المراكز الثقافية والتعليمية فى الشام (لبنان وسوريا وفلسطين) .
ب - توطدت الثقافة
الفرنسية عن طريق نشر العلوم من خلال الترجمة والأساتذة والبعثات والمدارس
والمراكز فى مصر وفى غيرها من بلاد المسلمين ، وأصبحت اللغة الفرنسية فى مصر حتى
قرب نهاية القرن الماضى تحتل الصفوف الأولى ، وأكثر العائلات الكبيرة أو ما تسمى
بالراقية تجود اللغة وتتخاطب بها .
ج - وكانت انجلترا
لا تجهل ذلك فكانت تعمل على التقدم والتفوق فى نشر ثقافتها ولغتها بكل الوسائل ...
ومن أسرع الوسائل استعمار مصر وغيرها من الدول العربية .
2 - الدعوة إلى
العامية ، فإحياء العامية يعمق الفجوات بين أبناء الأمة الإسلامية ويكون مساحات
أكبر بينها وبين فهم القرآن الكريم ، وبالتالى الإبتعاد عن الإسلام فعمل الغرب عن
طريق المستشرقين المبشرين إقامة مدارس ومراكز تهتم باللهجات العامية وثقافتها
وتأصيلها لقلع جذور الفصحى (بدأت أولى المدارس التى تدرس العامية العربية خاصة فى
ايطاليا عام 1727 م وتخصصها فى دراسة اللهجات الشامية والمصرية ... ومدرسة أخرى فى
جزء من أوروبا فى النمسا عام 1754 م ... كانت متخصصة فى إعداد المبعوثين الذين
سيعملون فى البلاد العربية ، ولذا سميت مدرسة القناصل ، واهتمت بالعاميات العربية
اهتماما واسعا ، واستعانت ببعض العرب ، ومنهم حسن المصرى للقيام بتعليم العامية ،
وألف حسن هذا كتابا بالعامية سنة 1869 م بعنوان : (أحسن النخب فى معرفة لسان
العرب) وكان فى العامية المصرية) ([6])
.
واهتمت فرنسا
بالعاميات العربية فأسست مدرسة اللغات الشرقية سنة 1759 وركزت اهتمامها على لهجات
أو عامية بلاد الشام لمكانة الأقليات الدينية ، وكان طلاب هذه المدرسة من القناصل والتجار
والمترجمين والعلماء المتصلين بشئون البلاد العربية ، وكان من أهم الكتب التى تدرس
كتاب وضعه دى سفارى : (أصول اللغة العربية العامية) وقد عين فى المدرسة مواطن عربى
هو : ميخائيل الصباغ لتدريس العامية العربية ، فألف :(اللغة العربية العامية فى
مصر والشام) و (الرسالة التامة فى كلام العامة) و (المناهج فى أحوال الكلام
الدارج) .
والأسباب نفسها دفعت
روسيا إلى أهمية العامية لتتخذها سلاحا ضد عدوها الذى تتربص به ، وهو الدولة
العثمانية وللعربية وثقافتها ، وقد تضامنت مع أوربا فى بعث النعرات القومية ،
وتحريك الحركات الإنفصالية ، واستخدام الأقليات المسيحية (مما هو معروف ...)
فأقامت روسيا مدرسة لا زارف للغات الشرقية فى مدينة موسكو سنة 1814 م واستعانت
بلأستاذ محمد عياد الطنطاوى وجعلته مساعدا للمستشرق الروسى نفرو تسكى ، فألف فى
العر بية العامية عدة رسائل طبعت سنة 1848 م .
واهتمت الكلية
الملكية لعلوم الاقتصاد التى أنشئت سنة 1891 م فى المجر بالعاميات العربية وكيفية
النطق بها ودرست أصواتها ([7])
.
واعتنت ألمانيا
بالعالم العربى والإسلامى وبتركيا خاصة اهتماما كبيرا ، فأقامت مكتبا فى مدينة
برلين يدرس اللغات الشرقية ولهجاتها . واختارت متخصصين من أهل هذه الأقاليم ممن
يحسنون العامية ويعرفونها مثل :الدكتور أحمد والى - وهو طبيب مصرى يعيش فى ألمانيا
-يدرس لهجات مصر العامية لاغير ، أما أمين معربس والدكتور مارتن هرتمن - كان قنصلا
لبلاده فى بيروت - قاما بتدريس اللهجات الشامية العامية . ومن هذا المكتب تخرج
معظم أساتذة أمريكا الشمالية وأسس أيضا مجلة متخصصة فى اللغات ولهجاتها العامية .
وكانت بريطانيا تجعل
كل اهتمامها بالهند وسكانه والتمكين لمستعمراتها فبدأت فى أوائل القرن التاسع عشر
وأنشأت فرعا فى جامعة لندن ، لتدريس العاميات والعربية الفصحى ، قام بالتدريس فيه
أنطون السلمونى اللبنانى .
كما طلبت بريطانيا
من الأديب المعروف أحمد فارس الشدياق - عند زيارته بريطانيا - أن يؤلف العربية
المحكية ، فألف كتابه : (العربية المحكية) سنة 1906 م ...
وبعد الاحتلال
الإنجليزى لمصر تحولت انجلترا ، بل تفرغت لمحاربة اللغة العربية بعدة طرق وفى
مجالات عدة منها قيادة الدعوة إلى العامية . فأحد دعاتهم (ويليام ولكوكس) يلقى
محاضرة فى نادى الأزبكية سنة 1893 م بعنوان : (لم لم توجد قوة الإختراع لدى
المصريين) ؟
وأجاب على ذلك بأن
السبب الأكبر هو استخدام اللغة العربية الفصحى فى القراءة والكتابة ، ونصحهم
بإتخاذ اللغة العامية أداة للتعبير الأدبى ، اقتداء بالأمم الأخرى واستشهد بالأمة
الإنجليزية ، وقال :إنها أفادت فائدة كبيرة منذ هجرت اللاتينية التى كانت لغة
الكتابة والعلم يوما ما .
وكان هذا الرجل من
أشد أعداء الفصحى ، وقد بذل كل طاقاته وسخر كل الامكانات لمحاربتها فى عقر دارها ،
وقد مكنته الظروف من الإستيلاء على مجلة الأزهر فاتخذها منبرا يتهجم فيه على لغة
القرآن . وزعم فى بعض خطبه التى كان يترجمها بلغة ركيكة ، وفى مقالاته التى ينشرها
، بأن المصريين لاصلة لهم بالعرب ، وأن لغتهم تمت إلى اللغة الفينيقية أو
(البونية) كما سماها ... ورأى أن يكون التعليم بالعامية وأنها - أى العامية -
كفيلة بمحو الأمية فى عشر سنوات وتخلصهم من السخرة الثقيلة التى يعانوها ( من جراء
الكتابة بالعربية الفصحى) ([8]).
وقد نشط هو وغيره فى
جمع وتأليف الكتب الأدبية المؤلفة باللغة العامية وحاول أن يوجد لها أدبا عن طريق
ترجمة روايات شكسبير إلى العامية المصرية ... فمن هذه المؤلفات كتاب :(هز القحوف
فى شرح قصيدة أبى شادوف ) وكتاب (قواعد العربية العامية فى مصر) ألفه ولهام سبيتا
سنة 1880 م وكان مديرا لدار الكتب ، ومن نهج نهج (سبيتا) فى الدعوة إلى العامية
(ويلمور) أحد قضاة مصر 1901 م (اللهجة العربية المصرية) عجب فيه من تمسك المصريين
باللغة الفصحى التى تؤخرهم ، مع أن الهند والفرس والأتراك مسلمون وهم لا يستخدمون
العربية . (الأدب الشعبى) ([9])
.
وسار كثيرمن
المصريين الحاقديين على العربية أو المتأثرين بالفكر الغربى من أمثال سلامة موسى ،
وأحمد لطفى السيد ، وعبد العزيز فهمى وغيرهم . (نتوقف لضيق المقام) .
3 - ومن أسباباغتراب
اللغة العربية الفصحى ، ايجاد أساليب لاتتقيد بروح العربية وقواعدها وبلاغتها
وروحها الإسلامية ، بل تشيع فيها روح الجملة الإنجيلية على يد المسيحيين الشوام
الذين هاجروا إلى مصر فى عهد الخديوى إسماعيل ووجهوا الرأى والفكر بواسطة صحافتهم
الكثيرة والقوية مثل :الأهرام ومجلة الهلال ، والمقتطف وغيرها .
4 - فرض اللغة
الإنجليزية وجعلها اللغة الثانية أو الثالثة بعد الفرنسية كما حدث فى مصر منذ عام
1889 م ةقد حدث مثل ذلك فى الدول المستعمرة استعمارا فرنسياأو انجليزيا أو ايطاليا
، وقد انتشرت المدارس والمعاهد والكليات فى البلاد الإسلامية ، وبلغ طلابها عشرات
الآلاف فى أواخر النصف الأول من القرن العشرين . ([10])
.
5 - من مظاهر غربة
اللغة العربية الفصحى ، التقليل من قدر المنتسبين إليها ، من طلاب الدراسات
العربية والثقافية الإسلامية ، والقائمين على التدريس بها ، والسخرية منهم ...
6 - ماتقوم به أجهزة
الإعلام من سلوك العاملين بها ، وضعفهم فى اللغة الفصحى وما تعرضه من بضاعة وما
تشرف عليه من سينما ومسرح وصحافة ، فأكثر ما يدور فيها يسخر من الفصحى ، ويعرض
صورا مزرية وصورا مضحكة لرموزها .. .. .. ؟
7 - الاحتفالات
والبرامج الدائمة فى أجهزة الإعلام والترويج للأدب الشعبى والتراث القديم من قصص
وأشعار عامية ، بل جعل مادة الأدب العامى من المواد التى تدرس فى الجامعات .....
8 - فتح المجال أمام
كل جديد يهدم اللغة الفصحى ، أو يقضى أويتنكر لقواعدها ، وما يضفى عليه من عناوين
براقة ، مثل التجديد والحداثة ، والمعاصرة وجعل هؤلاء هم أعلام الفكر والأدب
واللغة ........
9 - السير وراء
المذاهب الأوربية ،وتقليدها بصفة خاصة فيما يضر اللغة العربية : مثل التنكر للقديم
مثل قواعد النحو والصرف والبلاغة والتراث والدين ..... مما هو سائد فى الرومانتكية
...... ([11])
10 - إشاعة مقولة :
إن اللغة العربية من أصعب اللغات ، وأنها لغة جامدة ، والمناداة بتطوير القواعد ،
أو تيسير النحو .......
11 - التوسع فى
مدارس اللغات : من رياض الأطفال إلى الثانوية وكذلك انشاء الكليات تحت إدارة خاصة
كالمدارس المسيحية الخاصة فى مصر والكليات الأجنبية .. مما يجعل دراسة اللغة
العربية الفصحى فيها هامشية ... ؟ وقد أشارنا إلى ذلك فى مقالات فى مجلة المنهل .
12 - فى بعض البلاد
العربية ترصد أدنى الدرجات للغة العربية والدين ، فمثلا تكون الدرجة من (60) للنحو
والصرف والبلاغة والأدب والنقد والمطالعة والخط والإملاء جميعها . على حين تكون فى
مادة واحدة غير اللغة العربية - أكثر من ذلك بكثير .....
13 - تدريس العلوم :
كالطب والهندسة والبيطرة .... وغيرها فى الجامعات بالإنجليزية ، بدعوى عجز العربية
عن استيعاب العلوم والتقنية ، كما حدث فى جامعة اربد بالأردن يقول الدكتور عبد
الكريم خليفة ، رئيس مجمع اللغة العربية بالأردن : إن بعض أساتذة مادة الرياضيات
فى جامعة اربد ترجموا الكتب المختصة فى هذه المادة المقرر على طلاب السنة الأولى ،
وأخذوا يلقون منها دروسهم فكان نجاحهم باهرا ، لأن استيعاب الطلاب لهذه المادة كان
قويا جدا ، ولكن الغريب فى الأمر أن عميد تلك الكلية قد تغير ، وجئ بعميد آخر فأمر
بأن تلغى الكتب المترجمة إلى اللغة العربية ، وأن توضع مكانها الكتب الأصلية
باللغة الإنجليزية .
14 - الإسراف فى
الإبتعاث إلى الخارج لنيل الدرجات العلمية فى مجال : النحو المقارن ، أو الأدب
المقارن ، أو البلاغة العربية ، مما هو خاص بتراثنا وفكرنا الأصيل .
15 - تمييز خريجى
الكليات الأجنبية عن نظرائهم من خريجى الكليات الوطنية وتفضيل من يجيد لغة أجنبية
- فى غير ما يستدعيه الأمر - عن غيره .....
16 - كان للإنفتاح
فى العلاقات مع الدول الشيوعية تأثير خطير على اللغة العربية والقائمين عليها فى
بعض بلاد المسلمين .... حيث تسلق عدد من الموالين لها فى المجالات القيادية فى
التعليم والثقافة والفكر والجامعات مما تتضح آثاره على كل المستويات .......
(نعتذرعن الأستطراد
لضيق المقام)
5 - العلاج :
1 - إحياء شخصية
الأمة :
المشكلة الأولى
والثانية والأخيرة : هى بعث شخصية الأمة بكل مقوماتها الإجتماعية والإقتصادية ،
فعندما كانت دولة الإسلام فى عصورها المزدهرة كانت تفرض كيانها ولغتها وأخلاقها
على الأمم الأخرى ، وتستوعب ما عند الآخرين ليذوب فى كيانها .....
وتعنى شخصية الأمة :
أصالة التعليم والثقافة ، أصالة الفن الإعلامى تؤدى نهضة وتنمية فى كيان الأمة من
جميع جوانبه ......
ومن مقومات هذه
الشخصية العناية باللغة ، لأنها بمثابة الجهاز العصبى لهذا الكيان ، كما أن اللغة
لهذه الأمة سبيل لفهم دينها ومعرفة دستورها .
2 - ومن أجل -
ماتقدم - توضع كل الامكانات وتذلل كل العقبات على النحو الذى نراه لدى الأمم
الأخرى لنشر لغتها بين الشعوب الأخرى ...
ونحن أول ما نسعى
إليه التمكين للغتنا فى موطنها ، والتحدث بها فى أسلوب صحيح فى كل مجالات الحياة
الأدبية والعلمية والعملية ...
3 - وفى هذا الصدد
لابد من النظر إلى مناهج تعليم اللغة العربية ، ودراسة الأسلوب الأمثل ، بعيدا عن
طريقة الحفظ أو الصم للقواعد دون العناية بالجوانب العملية والتطبيقية على مواد
مثل المطالعة والنصوص فى القصص والشعر ، بل وبقية علوم العربية كالنقد والبلاغة
والتفسير القائم على معرفة المعانى عن طريق الإعراب .
4 - البعد عن دراسة
النحو والقواعد بطريقة تقليدية ، فى كل مراحل التعليم - تكرر الأبواب وتعاد فى كل
مرحلة . وإنما يدرس حسب منهج محدد فى كل مرحلة أو تدرس القواعد التى تتصل بالواقع
وتدعو إليها الحاجة فى الإستعمالات الكتابية .
5 - العمل الجاد على
نقاء اللغة العربية الفصحى من كل ما يشوبها ويبعدها عن ميدان الحياة اليومية .
وهذا يقتضى أن تكون
لغة المعلم عربية فصيحة ولغة العلوم عربية فصيحة ولغة الإعلام عربية فصيحة تهز
وجدان العربى والمسلم المرتبط بلغة القرآن ......
6 - تقع مسئولية
التوجيه والتنفيذ على الأمة المتمثلة فى الهيئات المختلفة ونخص بالذكر مجامع اللغة
، والكليات ، وكليات التربية ، بالتغيير من مناهجها وأسلوبها التقليدى ، فتتبنى
المشروعات التى تجسم الفصحى وتعمقها نابضة حية فى برامج إعلامية ميسرة ، ومجلات
ثقافية مختلفة لذوى الثقافات المختلفة كمجلات الأطفال والقصص القائم على ضبط الشكل
، كذلك المؤلفات المدرسية التى تعنى كثيرا بضبط الكلمات ، ولم لا تسهم أقسام طرق
التدريس ، وعلم الإجتماع اللغوى ، والنفسى فى وضع الوسائل المثلى للوصول إلى
الغاية النبيلة فى تربية أجيال تحب لغتها ولا تنفر منها وتحافظ عليها ولا تهجرها .
بقول أحمد الأخضر
غزال - مدير معهد الأبحاث للتعريب فى الرباط ([12])
:
( تعليم اللغة عندنا
غير متلائم ولا متكيف مع الحاجيات الراهنة للاكتساب السريع والعلمى للمعارف
اللغوية ، فالبحث يتطلب دراسة مناهج اللغة العربية من جميع نواحيها القديمة والحديثة
ومقارنتها بجميع طرق تدريس اللغات فى العالم ........وبمقارنة مناهج تعليم اللغة
العربية فى الدول العربية منذ 1960 مقارنة بنفس الفترة مع النظام الفرنسى اتضح لنا
أن ندرك أن الموضوع خطير ، وأنه لا يجدر بنا أن نقلل من أهميته ونستصغره ، إن
وسائل التعليم الأساسية هى : اللغة والبرنامج والكتاب المدرسى ، والمعلم وهذه
الوسائل متداخلة تداخلا وثيقا ، إلا أن البحث فيها يجد مادته الملموسة السهلة فى
الكتاب المدرسى لأنه مرآة اللغة) أ ه
أ د . عبد الباسط
أحمد على حمودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق