حاجة الإنسانية إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم

حاجة الإنسانية إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم
في فترة من الزمن غشى العالم سحاب داكن من الظلمات والضلال ، وتفنن الناس في البعد عن مناهج المصلحين والطريق القويم ، وعاشوا ما بين محرف للأديان وعابد للأصنام من دون الله .
فاليهودية انقلبت إلى مادية شرسة ، تتصرف في رسالة موسى ـ عليه السلام ـ حسب أهوائها وأطماعها ، فانزوت على جمع المال ونشر الربا ، والتنكر لمكارم الأخلاق وترفع اليهود على بني الإنسان ، واشتد حقدهم وكيدهم للآخرين ، فقل أتباع الديانة اليهودية ، ولم يجد الناس فيها ما يهدي إلى الصراط المستقيم .
والمسيحية غلبت عليها النزعة الروحية ، واختلّت عقيدتها ، وحرَّف كتابها ، بسبب التباعد في جمعة وتدوينه بين زمن عيسى ـ عليه السلام ـ وبين من جمعوه ، وبسبب اضطهاد الحواريين وتفرقهم . فضاعت عقيدة التوحيد ، وزاغ أهل الكتاب عن الكتاب الحق ، فالتمس الناس موئلا يرجعون إليه فلم يجدوا إلا هوى متبعا ، وشحاً مطاعاً ، ونزوة تتردّى فيها الإنسانية على غير هدى ، فكثرت الاتجاهات إلى غير الله ، وتوزعت العبادات لغير الخالق في شرق الدنيا وغربها . وسادت عبادة الأصنام في جزيرة العرب ، وانتشرت بين السكان العادات الرذيلة ، مثل وأد البنات ، والربا والزنا ، والحروب لأتفه الأسباب .
وكان العرب نهبا لدولتين عظمتين هما دولة الروم التي تُنسب إلى المسيحية اسما ، ودولة الفرس التي تحمي الوثنية وتتخذها مذهبا ، وتطلق العنان للفسق وعبادة كل شيء مادي .
وكان من فضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن تدارك الإنسانية بصفة عامة ، والعرب بصفة خاصة ، فاستجاب لدعوة إبراهيم ـ عليه السلام ـ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ     ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ   ﭿ  ﮁ  ﮂ  ﮃ    ﮄ  ﮅ  البقرة: ١٢٩.
وشاءت إرادته ـ سبحانه وتعالى ـ أن يختار محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أكرم المعادن وأنقاها في بني الإنسان ، فلم يزل يتنقل نسبه الشريف من الأصلاب الفاضلة إلى الأرحام الطاهرة ، حتى انتهى إلى عبد الله بن عبدالمطلب وآمنه بنت وهب . وكان ميلاده في ربيع الأول من عام الفيل سنة 571 بعد ميلاد المسيح ـ عليه السلام .
جاء فيما رواه مسلم والترمذي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " .
وتتميز النبوة الخاتمة بأنها روعيت في الأصلاب والأرحام ، وظللتها عناية السماء بعد الميلاد ، فقد مات أبوه الشاب ولم تكتحل عيناه برؤية أعظم طفل ، دفعت به أرحام الأمهات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وظهر اليتيم العبقري إلى الوجود ، وقد فقد حنان أبيه ، ولكنه لم يفقد حنان ربه ، وماتت أمه في الطريق بين مكة والمدينة ، فأسرعت أم أيمن لتحتضن طفلا لم يتجاوز السادسة من عمره ، ولكن حظه من رحمة الله يربو ويتضاعف كلما تقدم به العمر ، فتولى الله تربيته وتأديبه ، وصدق الله العظيم " واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا " .
وهكذا كان ميلاد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو نبي هذه الأمة الذي بعثه الله للناس كافة ليكون بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا :
ﭛ   ﭜ   ﭝ    ﭞ  ﭟ  ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ   ﭤ      ﭥ  ﭦ     ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ  ﭫ      ﭬ     ﭭ   ﭮ  ﭯ  ﭰ  ﭱ    ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ   ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭽ  ﭾ  ﭿ  ﮀ   الأحزاب: ٤٥ - ٤٨.

إن خير احتفال بمولد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أن نلقى عن كاهلنا ـ نحن المسلمين ـ كل عقبة تبعدنا عن إقامة وحي الله إلى نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى نقيم العدل والرخاء ، ويجتمع المسلمون في أنحاء العالم على كلمة سواء ، فيدفعوا عن أنفسهم الاستعمار والاضطهاد ، ويتمثلوا قوله تعالى " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ، تخافون أن يتخطفكم الناس ، فآواكم وأيدكم بنصره ، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون " وقوله تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لا يشركون بي شيئا ، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق