بسم الله الرحمن الرحيم
عظمة خاتم المرسلين
فى موقفه من الرسالات السابقة
أ.د. عبد الباسط أحمد حمودة
بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بدين عالمى ليختم به الرسالات السابقة , كما فى قوله - تعالى - ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ وقوله فى سورة سبأ:ﭽ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ ...
فرسالته عالمية لا تعرف العصبية للجنس ولا للمكان و الإقليم ولا تحدد بالزمان , وتشهد لذلك نصوص الدعوة الإسلامية الثابته فى القرآن الكريم والسنة المطهرة .
ففى القرآن الكريم نصوص كثيرة متعددة منها قوله - تعالى - فى سورة البقرة ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ وقبل ذلك فى السورة نفسها قوله - تعالى ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ .
ذلك لأن الأديان كلها من إله واحد خالق البشرية التى استخلفها فى الأرض وشرع لها منذ آدم ونوح وغيرهما إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - هو شرعه المنزل من عنده , كما فى سورة الشورى : ﭧ ﭨ ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ .
وأما فى السنة فيتجلى موقف محمد - صلى الله عليه وسلم - من إخوانه النبيين السابقين فى مواضع كثيرة تشهد له بعظمته وصدق رسالته , ونشير هنا إلى أقل القليل لضيق المقام , فهو يرى نفسه لبنة فى بناء شامخ سبقه الأنبياء إليه , يقول فيما رواه البخارى عن أبى هريرة - رضى الله عنه - إن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية , فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة , وأنا خاتم النبيين ) ويرى - صلى الله عليه وسلم - أن الأنبياء إخوة , وأنه أولى بعيسى بن مريم فى الدنيا والآخرة وأن دينهم واحد , ففيما رواه البخارى عن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الدنيا والآخرة , والأنبياء إخوة لعَلاَّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) وندلل على أخوة الأنبياء بعرض بعض أقوال النبى - صلى الله عليه وسلم - عن بعض الأنبياء , وهى نظرته إلى سائر إخوانه من المرسلين :
يقول نوح - عليه السلام – فيما رواه البخارى فى حديث الشفاعة عن أبى هريرة - رضى الله عنه - : ( فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض , وسماك الله عبداً شكوراً....) ويقول - صلى الله عليه وسلم - عن ابراهيم - عليه السلام - فيما رواه البخارى عن عباس رضى الله - عنهما - ( وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم .. ) ويشبه النبى - صلى الله عليه وسلم - نفسه بإبراهيم فيما رواه البخارى عن ابن عباس فقال (.. أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم ..) يعنى نفسه . ويقول أيضا ( وأنا أشبه ولد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - به ).
وأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بقتل الوزغ وقال :( كان ينفخ على ابراهيم عليه السلام) كما جاء فى البخارى . ويتمثل المسلمون إبراهيم - عليه السلام - فى صلاتهم , يصلون ويباركون عليه , ويتخذون من مقامه مصلى فى المسجد الحرام , ويرجمون الشيطان ثلاثة أيام فى الحج إحياء لملته ﭽ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ الحج: ٧٨ .
وموقف النبى - صلى الله عليه وسلم - من يعقوب ( إسرائيل ) وابنه يوسف - عليهما السلام - فيما جاء فى البخارى عن ابن عمر- رضى الله عنهما - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ) وجاء أيضا فى البخارى من أبى هريرة - رضى الله عنه - قال : ( قيل للنبى - صلى الله عليه وسلم - من أكرم الناس ؟ ....قال : فأكرم الناس يوسف نبى الله ابن نبى الله ابن نبى الله ابن خليل الله ... ).
وأحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم - عن موسى - عليه السلام - كثيرة جًّدا , يصفه - صلى الله عليه وسلم - : ( ليلة أسرى بى رأيت موسى وإذا هو رجل ضَرْب كأنه من رجال شنؤة ) وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - : ( أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما قدم إلى المدينة وجدهم -أى اليهود - يصومون يوما - يعنى يوم عاشوراء - فقالوا هذا يوم عظيم , وهو يوم نجى الله فيه موسى , وأغرق آل فرعون , فصام موسى شكراً لله . فقال : أنا أولى بموسى منهم , فصامه وأمر بصيامه ) ويصف موسى - عليه السلام – فيقول : ( إن موسى كان رجلا حييا ستِّيرا لايرى من جلده شىء استحياء منه .. الخ) ويقول النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخارى : ( يرحم الله موسى فقد أوذى بأكثر من هذا فصبر ).
ومن روائع عظمة النبى - صلى الله عليه وسلم - إعطاء الخلق دروسا فى مواقفهم من أنبياء الله , ونبذ العصبية وتفضيل بعضهم على بعض - مجرد التفضيل - روى البخارى عن أبى هريرة -رضى الله عنه - قال : ( استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود . فقال المسلم : والذى اصطفى محمدا - صلى الله عليه وسلم - على العالمين - فى قسم يقسم به - فقال اليهودى : والذى اصطفى موسى على العالمين . فرفع المسلم عند ذلك يده فلطم اليهودى , فذهب اليهودى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم – فأخبره الذى كان من أمره وأمر المسلم فقال : لا تخيرونى على موسى , فلا أدرى أكان فيمن صعق فأفاق قبلى , أو كان ممن استثنى الله ) وفى رواية البخارى :( فغضب النبى - صلى الله عليه وسلم – حتى رؤى فى وجهه , ثم قال : لا تفضلوا بين أنبياء الله.. الخ ).
ويدعو النبى - صلى الله عليه وسلم - المسلمين ليقتدوا بنبى الله داود - عليه السلام - فى حكمه وعدله عمله وصومه وصلاته , روى البخارى عن عبد الله بن عمرو - رضى الله عنهما - قال : ( قال لى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب الصيام إلى الله صيام داود , كان يصوم يوما ويفطر يوما , وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود , كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) .
وموقف الأسلام من مريم وعيسى - عليهما السلام - أجل وأعظم , وأصح وأكرم من موقف أتباعهما ,فمريم اصطفاها الله وكرمها وجعلها من أكمل نساء العالمين . ففى البخارى عن أبى موسى - رضى الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( كمل من الرجال كثير , ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران , وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال :( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من بنى آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد , فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها . ثم يقول أبو هريرة ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ آل عمران: ٣٦ والإيمان بعيسى وبرسالته ركن ركين فى الإسلام , وسبب فى دخول الجنة للمسلم على الرغم مما كان عليه من العمل , ففى البخارى عن عبادة - رضى الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال :( من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله , وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم , وروح منه , والجنة حق والنار حق , أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ) . وفى البخارى أيضا عن أبى هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( أنا أولى الناس بابن مريم , والأنبياء أولاد علات ليس بينى وبينه نبى ) .
وفى رواية عنه - سبقت - :( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الدنيا والآخرة , والأنبياء إخوة لعَلاّت , أمهاتهم شتى ودينهم واحد ..........) .
هذه ملامح قليلة من موقف الإسلام عامة وموقف النبى - صلى الله عليه وسلم - خاصة من الرسالات السابقة , وكنا نود التفصيل فى ذلك لكننا وجدناه يستغرق بحثا طويلا . والمجال الذى نريد أن نظهره فى هذا المقام عظمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فى تعليم أمته احترام إخوانه الأنبياء والدفاع عنهم , ورد ما يقوله أتباع الديانات الأخرى عن أنبيائهم من مثل ما جاء فى كتبهم المقدسة كزنا لوط بابنتيه , وما يقال عن مريم وحملها .........
وفى هذه الأيام حيث انعزلت دول العالم عن الأديان وبخاصة التى تدين باليهودية والنصرانية , والتى قد سبق تحريف كتبها وتحكمت أهواء رجال الدين فيها , وفى هذه الدول أصبح الهوى هو المسيطر فاختلقت أسبابا متعددة تدعم ذلك وتقوى الابتعاد عن الأديان والإيمان بقدسيتها ..وغير ذلك كحرية الرأى والتعبير والفكر والذى فى الغالب يتجه إلى الإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم – فى الوقت الذى لاتستطيع هذه الحرية أن تتكلم عن محرقة اليهود أو تحوم حولها .
وقد ظهرت هذه الآثار فى تطاول الغرب حتى على مقدساتهم فى أفلام تصور عيسى - عليه السلام - أو الحديث عن مريم وبعض مقدساتهم , إلا أن الحقد والكراهية لمقدسات الإسلام مدفوعة بعوامل أخرى كثيرة تبدو واضحة فى الحروب الصلىيبية القديمة والحالية التى تغذيها الصهيونية العالمية ,وهى بادية وعلانية فى تدمير الإسلام والمسلمين بكل أسلحة التدمير وفى الأفلام و الرسومات الساخرة من محمد - عليه الصلاة والسلام - ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ آل عمران: ١١٨
وستظل عظمة محمد - صلى الله عليه وسلم - شامخة من واقع أقواله وتعاليم ومبادئ الإسلام التى لا تعرف العصبية , وتحترم كل الديانات السماوية التى جاءت بها الرسل .
أ د عبد الباسط أحمد حمودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق