ظواهر أدبية في الجنوب
المتتبع للحركة الأدبية والفكرية في المملكة
العربية السعودية ، والراصد للظواهر الأدبية في جنوب المملكة ، تكشف له الدراسات
الأدبية المتأنية عن اتجاهات مختلفة ذات طابع متميز في الشعر والنثر .
ففي مجال النثر الفني تنشط القصة والأقصوصة
التي تصور المجتمع والحياة الاجتماعية والتاريخية ، وتبرز ملامح البيئة بأصالتها
وطموحها ، بما يعلى من قيمة هذا القصص ويقفز به إلى الريادة في النثر الفني
السعودي ، ومن ذلك " أمير الحب " و " ليلة في الظلام "
و" وبين جيلين " و " فلتشرق من جديد " و" قبو الأفاعي
" لطاهر عوض سلام .. و " القشور " وعشرات القصص المنشورة في الصحف
لعمر طاهر زيلع .. و " وجوه من الريف " لحجاب يحيى الحازمي .. و"
قصص من الجنوب " التي نشرها نادي جازان لمجموعة من الشبان وغير ذلك .
وفي مجال الشعر تجذبنا ظواهر ملحة في
مقدمتها الحب والهيام ، والعشق والوله ، والغزل والحنين ، عند كل الشعراء في
جنوبهم الخصيب ، وتلك ظاهرة تلفت النظر وقلما نجد لها مثيلا في الأدب العربي بهذه
الروح الجماعية ، اللهم إلا عند شعراء المهجر ، وهؤلاء لهم ما يبرر ذلك كالاغتراب
والبعد عن وطنهم الأصلي ، وحرمانهم من روح وسماحة الشرق .. فيقول إيليا أبو ماضي :
الأرض سوريا أحب
ربوعهــا عندي ولبنان أعز جبالهــا
والناس أكرمهم على
عشيرهــا روحي الفداء لرهطها ولآلها
تشتاق عيني قبل
يغمضها الـردى لو أنها اكتحلت
ولو برمالهـا
ويقول في قصيدة أخرى :
اثنان أعيا الدهر
أن يبليهمـــا لبنان والأمل الذي لبنيـــه
ويقول جوج صيدح :
عهد الشباب وعهد
الشام إن مضيا فكل ما أبقت الأيام
حرمــان
أما في جنوب المملكة ، فتلك الظواهر تحتاج
إلى دراسة وتأمل :
والأدب في الجنوب جزء لا يتجزأ من الأدب
السعودي ، ولكنه يعطي صورة تعكس الواقع ، وتبرهن على قوته وأصالته ومصداقيته
وجودته ، في العطاء للبيئة التي يحيا فيها دون تكلف أو عناء ، وفي تصوري أن ذلك
راجع إلى طبيعة الجنوب وسماحته التي فرضت نفسها على الأدباء فعبروا عن احساسهم
وشعورهم دون مواربة أو إبهام ، فجسدوا الطبيعة بروابيها وأوديتها وسهولها وجبالها
وشمسها وسحابها وغير ذلك ، مما يؤثر في أصحاب المواهب فيتفاعلون معها ويميلون
إليها وتتعلق نفوسهم بها لما حباها الله من خصوبة ، واخضرار وجودة المحاصيل ، وإغراق
في العطاء ، وتحقيق للأمل والرجاء وهي مع ذلك ترتدي حللا جميلة بفضل جبالها التي
تكسوها الأشجار ، حتى تعانق بها السحاب ، ومثل تلك البيئة تدفع إلى الحب والوفاء
الذي يخالج نفوس الأدباء والشعراء ، فيعبرون عنه بسحر البيان . ويعجبني ما قاله
محمد حسن عواد عن مفهوم الأدب " بأنه عطاء وإنتاج ، وإرسال وتأثير ، وخلق
وإبداع ، إنه بالاختصار عملية تصوير وتغيير وتوعية وهدم وبناء ، وتجديد وتطوير
وإثراء لعملية احتواء وامتصاص للمعلومات " .
ونكتفي في هذا البحث بدراسة بعض المظاهر في
شعر الجنوب ، وفي مقدمة هذه المظاهر حب الأرض والتعلق بترابها والتغزل في أوديتها
الخصيبة ، التي شهد لها خبراء الزراعة ، حيث تكثر المساحات المسطحة ، وتكثر المياه
الجوفية والينابيع والأمطار ، ومن هنا يبدو الحب الجارف في تسميات بعض الدواوين
التي نظمها شعراء المنطقة مثل " نفحات الجنوب " و " الأرض والحب
" و " الأرض والعشق " و " حبيبتي والبحر " و "
أزهار " و" عتاب إلى البحر " وغير ذلك من عشرات القصائد التي جاءت
في دواوين أخرى بغير هذه التسميات .
وهذه خفقات حب وعشق ، عبر بها بعض الشعراء
عن صدق عواطفهم ، وشعورهم تجاه البيئة التي يعيشون فوق أرضها وتحت سمائها ، والتي
يصفها الشاعر محمد على السنوسي في قصيدته " قطوف وأصداء " وفيها يتحدث
عن المشروع الزراعي في جازان :
تتهادى به الأماني
على أنغـا م ناي من لحن عصر سعـيد
باسمات الثغور
نشوى عليها نضرة الزهير وائتلاق العقود
في فمي من رضا بها
رشفات ثملات بها ترانيم عــودي
وفي قصيدته " الجنوب الخصيب "
التي أهداها للمغفور له الشاعر الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي يقول :
عصارة مهجة وجنى يـراع خصيب " كالجنوب " زكا وطابا
ويا وطني وأنت ولا
أغـالي نجى الشعر شطانا وغابـــا
تنام على جوانبه
الروابــي معطرة مخدرة
كعابـــــا
تضم صدورها أغلى
الأماني وأحلاها وأكرمها رغابـــا
عذارى لم يفضّ لهن
ختــم ولا كشف " النقاب
" لها نقابـا
فهل لي أن أراك
وقد تجلـت لك الأحلام رائعة
عجابـــا
إذا لمع البريق
على سماهـا جرى الوادي وسال بها
شعابـا
وإن رعد السحاب
على ذراها سرى الحادي يهز به
الركابـا
" حقول
" سمحة وثرى غنـى يغل "
الفصل " أربعة نصابـا
وتتجلى في الأبيات السابقة حرارة العاطفة
وصدقها ، وارتباط الشاعر بموطنه وإخلاصة وغيرته على تقدمه ورقيه .. وخبرته وإحاطته
بما يجري من فوقه من مشروعات تعمل على توفير الأمن والأمان ، فالجنوب أرض بكر عريق
في الخصوبة " تنام على جوانبه الروابي " وكأنها " عذارى " تضم
صدورها أغلى الأماني في توفير الأمن الغذائي ، وتدر حقوله السمحة "أربعة
نصابا" في الفصل الواحد ، وتلك نعمة الله التي مَنَّ بها على هذا الوطن ، الذي
يغني له الشاعر وينشد:
جازان يا درة الجنـــوب الباسم الناعم الخصيــب
لكل قلب إليك شـــوق مضمخ من هوى وطيـب
ولم لا تعشق جازان التي يطلق عليها علماء
التربة بأنها سلة الخبز :
إن جازان سلة الخبـــــــز مازالت تعاني عوائقا وصوارف
وهي أ الحقول
والزرع والضـرع وبنت السيول طام وجـــارف
وهي مرسى الجنوب
تكتظ بالتفريغ والشحن من تليد وطــــارف
ويتميز الجنوب بميزات أخرى تحفز الشعراء على
الإلهام والتعلق به ، حيث مواكب السحاب التي تجدد شبابه ونماءه فيتحول إلى تبر
مذاب ومروج من عسجد :
وجرى في الشعاب
تبرا مذابا وسجى عسجدا وفاض رخامه
ومروج تهدلت تملأ
الـــوا دي وتستوقف النسيم سلامـه
سطعت في ظلالها
لمع الشمـ ـس ورقت بها دموع الغمامه
ويعبر الشاعر محمد بن أحمد العقيلي ، عن حبه
وهيامه بالجنوب ، ويخصه بالدراسات والبحوث التي تتحدث عن تاريخه العريق ، ويصوغ
فيه بيانه وفي حاضرته جازان فيقول :
ولقد نظرت إليك
نظرة شاعر سامي الخيال مدله بهواك
يرعى شواطئك
الجميلة هاتفا ومغردا بجمالهـا
ورؤاك
ثم يقول :
وهفا النسيم على
تلالك رانيا متعثرا يدنو للثم ثــراك
وكأنما الأمواج
حين تدافعت قُبَل طُبِعْنَ
على أغر لماك
وللشاعر على أحمد النعمي نفس طويل ، في
الترنم بالجنوب وملحمته الزراعية ، عندما تتحول الحقول إلى مهرجان يملأ الكثبان
والوديان ، بعد مجئ السيول إثر الأمطار بحلو الأماني :
وإذا ما أتى
الخريف بالطرة الخضْـ ـراء تعيش
الحقول في مهرجان
تتباهى بثوبها
الأخضر الــــزا هي بكل الكثبان والوديــــان
وتجي السيول في
إثر الأمــــ ـطار دفاقة بحلو الأمانــــي
ويرسم لنا صورة الفلاح عندما كان يعشق الأرض
، لا يكف عن الانكباب والدأب في استخراج كنوزها ويتحمل لفحة الشمس ونصب العمل :
إن وجه الفلاح إن
لفحته الشمــ ـس يوما لطافح
بالحنـــان
يعشق الأرض لا يحب
سواهــا وهوى الأرض زاخر بالمعاني
ولكن الشاعر يتأسف للفتور الذي ساد الإقبال على الزراعة ،
واتجاه الناس إلى الأعمال الأخرى التي تدر الربح الوفير بجهد قليل :
فالأجير الذي يكد
ويشقـى فيك ولَّي لعالم
البنيـان
وجد الأجر وافرا
كيفما شاء وكل يلقاه
بالاحتضـان
والفلوس الفلوس
بين يديـه يتباهى بها لدى
الأخوان
ويلفت النظر في نهضة الأدب السعودي عامة ، وفي
أدب الجنوب خاصة تغنى الشعراء بالموطن الذي ولدوا فيه وشهد نشأتهم وصباهم ، فيتولد
فيهم حبه الذي هو ولاء وحب لوطنهم الأكبر .
وها هو الشاعر الشاب إبراهيم عمر صعابي ، يناجي
جازان ويرى في سماها وثراها وسهولها وروابيها ، خواطر عشق تملأ نفسه هوى وغراما
فيهتف :
سأناجي سماءها
وثراهـــــا وأناجي سهولها والروابــي
عشت " جازان
" يا خواطر عشقي ملء نفسي
هوى وملء وطابي
أي حرف يذوب فيك
غرامـــا أي حسن مضمخ الأطــياب
ويكثر ذكر " جازان " في شعر الجنوب ، لأنها
كلمة جامعة تمثل جنوب المملكة بحدوده المعروفة ، ومع ذلك يعزفون الألحان العذبة
الجميلة ، في أماكن أخرى تتميز بمواقعها وطبيعتها الساحرة ، وذكرياتها الأثيرة مثل
صبياء ، وفيفاء ، وبيش ، وفرسان الشواطيء وغيرها .
ففي صبياء حيث ولد الشاعر محمد العقيلي ، وهي مدينة تشتهر
بكثرة أشجار السدر ، وطيب الهواء ، وصفاء الجو وامتداد الأودية الخضراء وتنوع
الزراعة فتبدو المدينة في حلة سندسية خضراء ، يقول شاعرنا :
في شط " صبيا
" وتحت السدر والطنب مرأى تتوق
إليه النفس في رغب
زمردي الحواشي حيث
ما نظــرت عيناك منه بدا في منظر عجـب
حيث الطبيعة لم
تعبث بفطرتـــها يد المشذب في شكل من اللعـب
بين المزارع حيث
الأرض قد لبست من سندس حلة فينانة
الهــدب
بين المروج غداة
الطل باكرهـــا مكللا هامة الأغصان والعـذب
وفي الجنوب " فيفاء " ذات الجبال الشاهقة التي
تعانق السحاب ، وتنبت بها النباتات المختلفة ، ويرسم لنا الشاعر محمد بن على
السنوسي صورا جميلة ، ويعرض علينا بعض المشاهد التي تحفزنا على السير إليها ، والوقوف
أمام إبداع الخالق ـ تبارك وتعالى ـ وخاصة عند الصعود على الجبل :
" جبل "
تعشق النجوم مجــــا ليه وتصبو إلى ذراه العـــوالي
يزحم النيران
منكبه الضخـــم ويحتك بالسهى والهـــــلال
مشرئب إلى السماء
بــــرأس صلف في شموخه متعــــال
أخضر السفح أزهر
السطح مصقو ل الحواشي زاهي الربى
والتلال
وفي تجسيم بديع وتصوير فني بارع ، يجمع بين الموهبة وحسن
البيان وكمال الوصف ، تتوالى المناظر التي يمزجها الشاعر بالحقيقة فيقول :
ولذاك السحاب
والماء يجري من خلال الصخور جرى
الصلال
والوجوه الصباح
والمقل النشـ ـوى بسكر الصبا وسحر
الدلال
والرياض المنسقات
صفوفــا في علال كأنهــــــن لآل
وتهتم الدولة بالجنوب وتقيم المشروعات العملاقة ، كمياه
التحلية ، ومد شبكات الطرق ، وتوصيل الكهرباء ، وإقامة السدود ، وغير ذلك ، فينفعل
الشعراء بهذه الأحداث وتعم الفرحة والبهجة في نفوس المواطنين ، ويترجمها الشاعر
محمد بن أحمد العقيلي نظما عندما تفتتح " العين السعودية " فيقول :
" عين "
من الخلد تسقى جوف بطحاء جرت إلى "
ربوة " في السفح فيحاء
ثم يقول :
وها هنا "
النيل " أم " جازان " ناهضة في
مواكب المجد ، من بعث وإحياء
أم نفحة من "
مليك " قد تخللـــها سر
" البقاء " فاضفت كل نعمــاء
وللكهرباء أثر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في جازان
، ولا يدرك قيمتها الا الذين عاشوا أو يعيشون في هذه المنطقة ، فقد عم خيرها على
المدن والقرى ، وبدت ملامح التقدم بتغيير وجه الجنوب ، واتجه الناس بالشكر
والعرفان لعاهلهم ، الذي رعى الدين والدنيا والاستقرار ، والطمأنينة في ربوع
البلاد .
ويعبر شاعر الجنوب محمد بن على السنوسي ، عن هذه الروح
الجياشة ويسجل الحدث في قصيدة طويلة بعنون " مولد النور " فيقول :
ولد " النور
" فاستهل الوجود وعلى ثغره ضياء جديد
لاح غَضَّاً كما
يلوح سنا الفجر وبَضاً كما تلوح الورود
وفي نهاية القصيدة يقول :
واكلأ العاهل الذي
عزز الدين فغزت به القوى والجنود
وجزى العاملين
خيرا ولقاهم سرورا ونضرة لا تبيـد
ويبدو حب وعشق الشاعر إبراهيم مفتاح ، في قصيدته "
جيزان المنطقة البكر " التي يستهلها بقوله ([1])
:
فتنة للعيون والأحـــداق ربة الحسن والمعاني الدقاق
أنت يا جارة
البحار ومأوى كل قلب مدله
خفــــاق
تستمد الآهات منك
شجاها وتناجيك لوعة
الأشــواق
في روابيك للصبا
خطرات ملؤها الشوق للهوى
والعناق
ومن الهيام والحب عند شعراء الجنوب ، صورة فنية ينتزعها
الشاعر من هذه البيئة ، حين تدنو الشمس من المغيب لتتوارى في مياه البحر ، ويراها
الناظر في هذا المشهد دون حجاب ، وكأنها إنسان يحتضر ، فيعلو جبينه الشحوب من هول
الموت والفراق ، فالغروب يضنى الشمس ويطبق عليها ، حتى تصير كالقرص في كف المساء ،
ليضعها في فم المغيب ، يقول إبراهيم مفتاح ([2])
:
أوتذكرين
لقاءنــــا والشمس يضنيها
الغروب
كالقرص في كف المساء يعيرها ثغر المغيــب
لما توارت في
حجـاب خلف وادينا الخصيـب
ويصور الشاعر حسين القاضي جيزان فيقول :
هذه جيزان فاقرئها
السلامــا واملأ الدنيا انشراحا وابتسامـا
وتهادى في روابيها
التـــي ولد الإلهام
فيها وأقامـــــا
وأنشد التاريخ عن
أبنائهـــا إذ سروا والناس
قد أضحوا نياما
" والسندس
الذي طوقهـــا"
"بأزاهير" ورد وخزامــــى
عاش في الشطآن
روحا حالما يملأ الدنيا صفاء ووئامــــا
منظر الشمس وقد
أهوت على مبسم البحر ارتشافا
والتهامــا
فعدا الموج طروبا
راقصــا فرحة المشتاق إذا مــــا ([3])
والشاعر حسن فرج الفيفي يرى في " فيفا " روض
عدن ، فيها الفتنة التي يهيم القلب بها ، فلا تضارعها الشام ولا مصر ولا اليمن
الخصيب ، لأنها لبست ثوب الحسن قشيبا ، فبدت فيه عروس جزيرة العرب ، يقول ([4])
:
وما فيفا إلا روض
عـــدن مفاتنه تهيم بها القلـــــوب
فأين الشام منها
أين مصــر ومنها أين اليمن الخصيـــب
عروس جزيرتي فعلاً
تناهى إليها الحسن فهو لها قشيـــب
ومن قصيدة بعنوان " ذرى فيفا " للشاعر على بن
قاسم الفيفي يقول ([5])
:
وذرى جبال قد زهت
وتبخـرت بغرائب الأشجار والأعشاب
ومناظر خلابة ومــــزارع محفوفة بحدائق الأعنــاب
وهوى عليل في ظــلال
وارف مع عذب ماء دافق منسـاب
وخمائل مكتظة فواحـــــة
بعبير عرف صنعة الوهاب
أزهارها قد ضاحكت
برق السما وتعانقت أغصانها بدعـاب
وكما قلت في المقدمة : قلما نجد شاعراً يصوغ القصائد حبا
مضنيا ، ووصفا مترنما ، وغزلا وهياما ، كما نجد عند شعراء الجنوب ، فقد يبتعد بعض
الشعراء عن مسقط رأسه في الجنوب ، ويجد في مكان ما في المملكة طيب العيش ، وترف
الحياة ، ولكنه يحن إلى العودة إلى منازل صباه .
وهذا شاعر آخر هو أحمد بهكلي ينأى عن مسقط رأسه أبى عريش ،
ويقيم عشر سنوات في الرياض ، ولكنه يعود إلى موطنه الأول ، ليبثه نجواه في قصيدة
" عودة " ويقول ([6])
:
يا سائلي عن حبي
الأغنــى عن لهفتي .. عما به أضنى
جازان تاريخ الهوى
وأنــا تاريخ بحث عن هوى أحنى
جازان .. والقلب
الغريب أتى يمتاح منك هدوء الأهنــى
فلأنت قيثارة الأمـــان
إذا ما راح يعزف خوفه لحنـا
ولأنت أنت معاده
ولـــذا لم ينس منك النبع والمغنـى
وله أيضاً من قصيدة طويلة بعنوان " الأرض والحب
" اخترت منها هذه الأبيات ([7])
:
أسائل عنك الليل
والأنجم الزهـرا لعل لديها عنك يا
فتنتى خبــرا
وأنتجع الأحلام
ظنا بأننــــي سألقاك حلما يحتوى لهفتي الكبرى
ألست ترين الراحل
الصب قد ثوى يقبل تربا فيك قد أرخص
التبـرا
ثم يطوف بالحديث حول جنان فيفاء ، وإعجابه بها وما توحيه
في نفسه من تفجير عاطفة الشعر ، ويمتد به الوصف إلى كل من " بيش "
ومنازلها الفيحاء ومغانيها ، ومزارعها النضرة ، ويطول به النفس حتى يعطينا صورة
وردية تعبر عن حبه لصبياء ، وأبي عريش ، وضمد ، وسامطة ، وسُعّيد ، وغيرها .
ومن الشعر الذي يمثل ظاهرة الحب الجارف للجنوب ، بحيث
يرتفع به حتى ليراه منارة الدنيا وجنتها ، بسحر جمالها وكمالها ، فيهز النفس ويأجج
العواطف عند رؤية غيدها .
من هذا الشعر ما كتبه الشاعر على حسين الفيفي في قصيدة
" فيفا " ([8])
:
ويكاد حين يمر من
أجوائهـا يشدو بسحر جمالها وكمالهــا
أمنارة الدنيا
وحبتها التــي تزهو بخضرتها وفيء ظلالهـا
تهز نفسك عند رؤية
غيدهـا وتظل مهما عشت في أغلالهـا
من كل حسناء
كالهلال جبينها بيضاء لن تستطيع وصف
كمالها
وللشاعر أحمد بابقى قصيدة فازت بجائزة النادي الأدبي ، تتحدث
عن أمجاد الشعب السعودي ، وريادته في الدين والدنيا ، كنموذج حي للإسلام ، يتمثل
فيه المسلمون سالف عهدهم ، ويدفع بهم إلى التقدم في حاضرهم ([9])
:
هي الدين والآداب
والعدل والندى عقيدته التوحيد
والله واحـد
ووطد فيه الأمن
حتى سما بــه إلى رتب من دونهن
الفراقد
ثم يتغنى بالجنوب ، ويصف أرضه وتربته التي كالمسك ، بل هي
العسجد ، فالسماد فيها طبعي ، مما يجعلها رصيداً وكنزاً للاقتصاد :
" وجيزاننا
" للشعب سلة خبزه إذا اسْتُعْمِلت أيدٍ بها وسواعـدُ
زراعية فيها
السماد طبيعــة كنوز لها في الاقتصاد رصائد
فتربتها كالمسك بل
هي عسجد فيا حبذا للشعب تلك المـوارد
هذه نسمات قليلة ، ولمسات خفيفة ، وهمسات خافته ، من أدب
الجنوب الذي هو جزء من الأدب السعودي . عرضتها في إيجاز ، لندلل على ظاهرة الحب
والعشق والوفاء لكل حبة رمل فوقه ، ومعانقتهم وغزلهم في كل نبتة من نباته وشجرة من
اشجاره ، وتعاطفهم واحتضانهم لجباله ووديانه ، وترنمهم بسمائه وسحابه ، كل ذلك في
صدق عاطفة حفزتهم إلى صدق فنى ، وتجويد أدبي ، يشكل ظاهرة تستحق دراسة شاملة
متأنية لكل فن من الفنون الأدبية ، في جنوب المملكة العربية السعودية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق